ساعات الرحيــــل
ساعات الرحيل بين الشتات والوعود البراقة التي ذهبت
مع الريح ،كانت الصدمة القاتلة والمفجعة لكل الأجيال
المعاصرة التي ترعرت في النوبة الجديدة بين جدران
أسمنتية وحدود ضيقية وجبال فاصلة بين النيل والنوبة ،
أفقدت الحياة النوبية سحر بريقها ورونقها الحضاري
والتاريخي في أرض غريبة وبعيدة عن وجدان النوبي ،
فطمست الكيان والنماء والخصوصية والسهول والبساتين
والسواقي والنخيل مصادر الثراء النوبية منذ بداية
العهود ، ومن هنا سوف نستعرض بداية الشتات
الجماعي والقسري لحضارة النوبة الممتدة إلي عمق وقلب
التاريخ .
الشعب النوبي قبل السد عاش حياة بسيطة ومغلقة داخل
دائرة الخصوصية الشديدة .
لم يعرفوا اللعب والعبث بالحروف والكلمات؟؟؟؟؟
لم يعرفوا أدني حدود اللعبة السياسية؟؟؟؟؟؟
لم يعرفوا أن الفناء لجذورهم هو المصير القادم؟؟؟؟
لم يعرفوا أن الطيبة الزائدة سوف تشرهم وتقتلهم
وتفرقهم مدي الحياة ؟؟؟؟؟
وجاءت من الشمال وعـود براقة وآمال عريضة وأمنيات
كبيرة ومغرية تسيل معها اللعاب لبشرية لم تعرف غير الحب
والأمان والسلام والصدق في التعامل وحسن النوايا حتي لو
كانت مجرد كلمات ،فكانت الأرض ممهدةأمام القيادات
السياسية للدخول إلي قلب النوبة بالشعارات والأحلام
البسيطة لمحبي الأصالة والأنتماء وأشعال الروح
العنترية في قلوب الرجال بالتضحية من أجل البقاء ،
ولكن !!!؟؟؟ بعد مرور أكثر من أربعين عام هي فترة
الرحيل المر بدون عنوان ، لم يتحقق لنا أدني الحقوق
المدنية والدستورية والشرعية والأدبية وسط تجاهل صارخ
ومتعمد من كل الحكومات بلا أستثناء .
نبدأ في سرد الوعود التي أطلقتها الحكومة وذهبت مع
الرياح، كانت البداية عبر آيات القران التي تهتز معها
الجبال قبل البشر وتلين الحديد .
( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيراً وسعة )
صدق الله العظيم .
بداية الوعود أطلقها الرئيس جمال عبدالناصر وكانت كالأتي
( أن الخير الذي سيعم علي أبناء النوبة ، سيكون الخير
الكثير ، لانه سيجمع شما أبناء النوبة جميعاً علي الأسس
الصحيحة ، لبناءمجتمع قوي وسليم ، وبهذا تنقص الشكوي
التي كنتم تشعون بها شكوي الأنعزال لاننا جميعاً أفراد
عائلة واحدة ، وأننا سنعمل علي جمع شملكم ،كما كان
الشمل مجتمعنا في هذه المنطقة علي مر السنين .
وأننا نعتقد أن عملية التهجير من هذا المكان ستكون
عملية منظمة ومريحة ومركزة وستنقلون فيها من هذه
القري التي عشتم فيها إلي مناطق جديدة تشعرون فيها
بالسعادة والحرية والرخاء )
الرئيس جمال عبدالناصر في يناير 1960
ثم جاء نائب رئيس الجمهورية السيد حسين الشافعي بالخطاب التالي
إلي النوبيين
( أذا كان أهالي النوبة سيتركون وطنهم الصغير في النوبة من
أجل رخاء الجمهورية ، والآمال العريضة معقودة عليهم علي
قيام السد العالي سيفتح ذراعيه ليرحب بهم في منطقة جديدة
من أرضه في كوم أمبو تتوفر لهم كل عوامل الأستقرار
والرخاء والحياة الكريمة )