تابع ......تنظيم نوبي مسلح يهدد بمجابهة عسكرية في السودان ومصر 2

يعتقد الكثيرون أن الشماليين ومنهم النوبيون طبعا، هم الذين يمارسون استعلاء على الآخرين؟

- الحل الجذري لمشكلة الاستعلاء والتمييز العنصري بأشكاله العرقية والدينية والطائفية والجنسانية في السودان، تتمثل في تدمير وإزالة مكونات الاستعلاء والميز العنصري بأشكاله وآلياته القائمة في بنية الاقتصاد والسلطان والنفوذ المرتبط به. وكل مناهض للإستعلاء والتمييز العنصري عليه تأمل هذه الحقيقة الموضوعية البسيطة والإفادة بها في تحقيق كيان تتوزع فيه الموارد والثمرات حسب جهد الناس وحاجاتهم، لا بحسب أصولهم ومعتقداتهم وأجناسهم ودرجة سيطرتهم على أمور الحكم والثروات الاجتماعية.

- ألم يشارك عدد كبير من النوبيين في الحكومات التي أعقبت الاستقلال، فهل يوجد تهميش سياسي بحق النوبيين؟

- مشاركة بعض النوبيين وريادتهم في العمل السياسي السوداني المناضل أوفي العمل السياسي الحكومي، لا يعني أن المناطق الشمالية عامة أو المناطق النوبية خاصة، كانت تخضع لمصالح وإرادة أهلها، أو إن تلك المناطق وعموم الريف السوداني كانت تحظى بنصيب وافر من ثمرات جهدها، كما إن نصيبها من السلطة الفعلية على الموارد المادية والبشرية، كان ضئيلاً وصورياً، بالنظر لحقيقة التهميش ومداه.

- يتهمكم البعض بأنكم أداة بيد واشنطن، ويغمز البعض من قناة العمل النوبي بأنه يصب لمصلحة إسرائيل؟

- يد الله فوق الجميع، نحن نعتقد إن القوى الطاغية في عالم السياسة الإقليمية تستفيد جداً من المظالم التي تكرسها البنية الاقصائية والتهميشية للدولة السودانية جهة مجتمعاتها، ومن الجرائم البشعة التي يرتكبها النظام الحاكم في السودان ضد كثير من قومياته، وهي مظالم وجرائم لا تجعل من الممكن الاستمرارفي تجاوز المظالم التاريخية بأنواعها سواء التي تعرض لها الأفارقة والآسيويين من بعضهم أو من الأوربيين أو التي تعرض لها اليهود في أوربا أو تلك التي يواجهها أهل فلسطين من دولة إسرائيل، أوحتى من جهة سلطتهم الوطنية وحكومتهم، فبنفس المقدار من الاهتمام والشعور الإنساني فإن استمرار وتفاقم المظالم التي تكرسها البنية الاقصائية والتهميشية للدولة السودانية ضد أهل الوسط والشمال والغرب والشرق و(الجنوب) في السودان تجعل السكوت على هذه المظالم بدعاوى الأمن الإقليمي العربي، مسـألة متناقضة، تتبني استمرار الظلم، وتغذية أطماع المتمركزين في السودان، بحجة وجود مظالم ومطامع تمركز أخرى في المنطقة، فهل يرضى هؤلاء أن يبقى السودان في نير مظالم مركزه على أمصاره أو يقترحون على مناضليه الانتظار إلى أن تننفجر الأوضاع في السودان والمنطقة برزايا مثل هذا النظام التمييزي وبلاويه، الحل الموضوعي في جهتنا هو تحرير السودان من هذا الوضع بشكل جذري منظوم لمصلحة المستضعفين في مجتمعات السودان، ولمصلحة الاستقرار الموضوعي في المنطقة القائم على الحرية والعدالة والسلام.




سرية قيادة الحركة

- من هي قيادة حركة تحرير كوش، ولماذا فضلت أن تبقى سرية، هل ستستمر الحركة سرية؟

- هي "القيادة العامة لحركة تحرير كوش"، وهي وجملة منتسبيها تتعامل وفق خاصية وضعها وخصوصيته بشكل خفي دقيق ومنظوم، فالخفاء والسرية مسألة ضرورة في خضم نوازل النظم القمعية والاقصائية، والسرية درع واق ضد التصفية الجسدية والمعنوية، وضد التهديدات وضد الإغراءات، وضد الوقائع والأحابيل، وهي تكرس وقت الفرد المناضل الفرد للعمل النضالي التنظيمي والحشدي الدقيق، وتستثمره لأجله، وتفيد حركة التحرير جداً بخفاء منتسبيها على العدو عماءه عن تحديد وإصابة مناضليها، بينما العلنية في ظروف ديمقراطية متكاملة تنشأ كضرورة جمهورية للمكاشفة والمقارنة والحساب. بيد إن الخلط بين الظرفين وشكلي العمل له ضرورات وأضرار موقوتة، لا تتحرك منها حركة التحرير إلا وفقاً لأثقال عملياتها ووضعها، ولكن بارسال مقولة فولتير: إن الحرية لنا – في أسلوب التنظيم والعمل- ولسوانا.

ألا يعد اتجاه الحركة اتجاها جهويا ومناطقيا، عوض أن يتجه السودانيون للعمل السياسي القومي؟

- السودانيون لا يتجهون الآن إلى العمل السياسي، بل إن كثير من أهل السودان ونتيجة الظروف القهرية المختلفة يتجه إلى الحلول الفردية المتمثلة في العمل التجاري والهجرة، وإلى الممارسات الذاتية الإنصرافية في نواحي الغلو الديني وإلى النزق الفردي، والأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تعاني في كل انحاء العالم من هذه الحالة الإنصرافية التي تكرست في المجتمع السوداني نتيجة التدخلات الاجنبية وأخطاء ما يسمى باسم"السياسة القومية" وأسلوبها التقليدي في العمل السياسي المعتمد على التصريحات السياسية في الخرطوم والحشد السياسي في منتدياتها ومنتظماتها ومظاهراتها.

وهو أسلوب على فاعليته في مواجهة بعض المراحل والقضايا العامة يقفز على خصوصية وقائع السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة ومشكلاتها الجذرية في أمصار وأقاليم وجهات السودان. والعمل السياسي الذي لا يخاطب مباشرة الاختلالات الأساسية في بنية المركز ليس عملاً قومياً لا في طبيعته الظاهرية الممركزة للسلطات والموارد، ولا بأصل تجاوزه لوقائع الحياة السودانية في اقاليمها الأساسية، ولا بالنتيجة العامة البائسة التي وصل إليها هذا الأسلوب من العمل السياسي في ذاته أو ما وصلت إليها القطاعات المتنوعة للحياة في السودان من نتائج عامة استئثارية ونزفية وخيمة، فالقومية الحقة والسياسة المتكاملة لا تتجاوز قيد أنملة، لا بنيتها ولا في مظاهرها عناصر التكوين الوطني الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل تباشر السياسة القومية الحقة بداياتها ونشاطها القومي من هذه العناصر الأولية تفعلها وترقى بها جدلاًً إلى آفاق التعاون المتكافئ والتضافر السلمي لأجل التقدم الاجتماعي والإنساني العام.

ولو سلمنا بأن معيار القومية يرتبط بالتخلى عن القضايا الوطنية والإقليمية وتأخيرها في جداول الكشف والمعالجة فلن نجد في العالم العربي أو غير العربي وطنياً واحداً أو قومياً واحداً ولا أممياً، فـ"الكل"، و"الجمعي" و"البنيان" يتكون من عناصر صغيرة، في نموها النماء، وفي أهمالها وذروها يكمن الفناء.

- هل النوبيون كلهم يؤمنون بأهداف الحركة، وهل وصلت إليهم الحركة؟

- عموم أهل الشمال والنوبيون لم يعرفوا حتى بوجود هذه الحركة الوليدة وإن تكن قلة منهم انتسبت لها، وهي بسيطة في إمكاناتها عن أن تصل إلى جميع الناس في اي منطقة سودانية سواء أكانت نوبية أو غيرها، ولكن الحركة تناضل لأجل أن يستلم جميع سكان السودان في الشرق والغرب والوسط والشمال وحتى في الجنوب مقاليد أمورهم، وإدارة مواردهم وتوزيع ثمرات جهدهم وأقاليمهم. ومن يعارض هذا الجهد والنضال ويلاجج جهة هذه الحقوق الشعبية ومشروعيتها عليه الإتيان بتفويض من الناس يقره على رزء حقوقهم وإهدار ثقافاتهم واملاكهم وآمالهم.

بيد إن الحركة لا تميل الى الانحصار في الحدود النوبية التاريخية أو الثقافية المعاصرة ولا إلى الانتشار المطلق المبهم في كل أرجاء السودان أو القارة الأفريقية أو العالم بل إن دأبها هو التركيز على النوعية والفاعلية الفردية والتنظيمية لمنتسبيها وحركتها النضالية بقصد مفاعلة القضايا السودانية وضفر قضية الثورات في الأرياف والانتفاضات في المدن والارتقاء النوعي بطروحها وممارساتها إلى حال ثوري شعبي يشكل عصب التغيير الاجتماعي والإقتصادي السياسي لمجتمعات السودان وتحريره من البنى الإستئثارية والإقصائية ومظالمها.




التحوّل الديمقراطي

التحوّل الديمقراطي

- إذا ما تحوّل السودان لنظام ديمقراطي يتراضى عليه الجميع، يرد الحقوق لأهلها ويقسم السلطة والثروة على نحو عادل، فهل يكون هناك أي مبرر لاستمرار الحركة؟

- السودان كيان معنوي، يستوي بأهله وأحوالهم، ولا يتحول من تلقائه، والديمقراطية لا تنشأ أولاً كفراغ، ثم ترد من بعد الحقوق إلى أهلها، بل إن رد الحقوق أو بالأصح إستردادها هو المقدمة المنطقية التاريخية والطبيعية والإجتماعية للديمقراطية، ونضالنا هو إسهام في التحويل الديمقراطي، بعيداً عن التصورات المثالية بقيام سلطة من خارج الحركات المطالبة بالتغيير الجذري سوف تفعل كذا وكذا، وترد كل أمر إلى نصابه، وكل حق إلى أهله، فحجم النضال وأبعاده، هو الذي يحدد شكل التغيير والتحول الديمقراطي وأبعاده وفاعليته، ولكن دستور الحركة وبرنامجها لا يلقي نفسه مكتوفاً في يم تغيير سياسي مجرد لشكل السلطة، أو لأبعاد قسمة الموارد الوطنية على اقاليم الدولة وتوزيع ثمراتها على جهود أهلها، بل إن التعامل مع الظروف والشروط الإقليمية والدولية لهذا الإقتسام تتطلب من وجوه أخرى للعمل السياسي إستمرارية الحركة ونموها، كاضافة موجبة في تيارات "الإخاء الإنساني"، و"الحركات الإجتماعية"، و"التعاون الدولي"، و"التقدم والسلم العالمي". وهي تيارات أصيلة في السياسة الدولية تؤثر بلا شك على أحوال المناطق الشمالية من السودان عامة والمناطق النوبية خاصة بجملة تأثيرها على احوال العالم وأفريقيا والسودان.




النوبة والعرب.. من يظلم من ؟

- هل تعتبرون أن العرب تغولوا على الحضارة النوبية وطمسوها، وهمشوا الثقافة النوبية؟ كيف ؟

- السؤال في حد ذاته ينطوي على تنويب وتعريب مبالغ فيه، وعلى توتير للجوانب الحضارية للعلاقات بين القوميات السودانية ككل، ولكنا سنأخذه على عواهنه، حيث إن "الحضارة النوبية" مفهوم متنوع الأصول والمقاصد، وكذلك مفهوم "العرب"، داخل وخارج السودان هو مفهوم متنوع ومختلف ألوانه، كثيراً ما يجري تقليبه سياسياً وطبقياً وثقافياً واجتماعياً بأشكال مختلفة يخلط فيها السم والعسل، فالعرب الحاليون وفقاً للتراث السائد هم لجهة الأم أبناء السيدة النوبيــة (المصرية) المستعبدة هاجر (ع) ، وهم لجهة الأب أبناء النبي إبراهيم (ع) وهو من نسل آدم (ع) في مناطق العراق الحالي قبل تحوله عربياً، فعلاقة العرب والسودان وعلاقة السودان بالعرب علاقة جدلية، تتجاوز حبس المفاهيم وحسبها سياسةً، أصلاً وفرعاً وتاريخاً، ولكن هذا شيء قد يتصل وقد ينفصل عـن كثير من أشكال الوجود الثقافي العربي وهجينه في أنحاء السودان الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية والوسطى.

بيد أن الحملات المعروفة في التاريخ التي قادها بن أبي السرح على ممالك النوبة، لتدميرها وقسرهم على دفع الجزية وجلب الرقيق، لا تأخذ موقعاً مركزياً في برنامج الحركة، ولا في دستورها، فالموضوع المركزي في الدستور والبرنامج بشأن النوبة والمستعربين والعرب وكافة القوميات في السودان هو توفير بنية حشد وتوزيع للموارد العامة في أقاليم الدولة السودانية تتيح لأهلها بحقوق إدارة شؤونهم، نصيب وافر من موارد أقاليمهم، ومن ثمرات جهود أعمالهم تكفي ضرورات عيشهم. فبتوفير مثل هذه البنية الاقتصادية السياسية القائمة على سد الضرورات الحياتية وفق معادلة الجهد والحاجة، تتوفر القاعدة الموضوعية لبناء مجتمعات معتدة بذاتها ونشاطها المبدع الخلاق دون قهر أو إستبداد أو عنصرية، تقوم المعاملات وتبادلات المنافع فيما بينها على تكافوء الفرص والتعاون والتضافر ضداً لجهة الإثرة والإنفراد والقهر والضغينة التي تكرسها الممارسة الإستبدادية بأمور الإنتاج والثروة والسلطة والخلل في علاقاتهم.

ألم يقم النوبيون أو بعضهم، بتهميش الجنوبيين والفور مثلا، من خلال رموز نوبية تشارك في الحكم؟

- بدون ما يكتنف جوانب من هذا السؤال من اتجاهات تعميم قد تجرم مجموعات قومية بكاملها بأفعال بعضها أو تؤاخذ - بحكم وصل الإيماء- حركة تحرير بأفعال أهل السلطان، فإن المصيبة واحدة في أنحاء السودان وأمصاره، فمركزة الموارد والسلطات ليست ذات طبيعة عنصرية عرقية صافية، بل هي أكثر من ذلك عنصرية طبقية، محورها المال وعلاقات إنتاج الأموال وكنزها، وهو ما يمكن إيجاد أسسه ونتائجه الوخيمة في كل انحاء السودان وبين مختلف قومياته وزعاماتها التقليدية وزعاماتها المستحدثة، ولكن بدرجات مختلف تركيزها حسب الظروف الطبقية في كل مجتمع، مما يجعل إزالة هذه الأوخام وكنسها تتطلب من أهل كل حي البداية بأنفسهم على منوال إن أهل مكة هم الأدرى بشعابها.

فكذلك فإن أهل كل حي في السودان أدرى بشعاب المركزة والتهميش فيه، فبتدميرهم وإزالتهم لبنى ومؤسسات الإقصاء والتهميش العنصري العرقي والطبقي والديني في الدولة السودانية، إنما يفتحون مجالاً رحباً لنمو مزدهر لمجتمعات وثقافات السودان بعيداً عن غلواء العصبية والقبيلية، وعن الممارسات الاحتكارية القائمة المرهونة في الواقع المركزي لمصلحة قوى أجنبية عديدة بداية من قطاع الإتصالات وليس نهاية بقطاعات الكهرباء والمياه والنقل والمواصلات والطيران والبنوك والنفط والذهب والكروم والصمغ والحبوب والقمح وحتى الأراضي والضرورات والمشروعات الزراعية.




- صوت الحركة خافت جدا، لماذا؟

- والله الصوت العالي في كثير من الأحيان يمثل مشكلة سواء في عوالم التنظيم والحشد السياسي النوعي، أو في عوالم السياسة الحزبية والديبلوماسية، أو في عالم العمليات العسكرية، كما إنه يجمد التفكير وإعمال العقل في دور العلم ووسائط الإعلام، لذا تجد اكثر الناس إقناعاً في دور العلم وحضوراً في وسائط الإعلام من كان أكثرهم تركيزاً على ترابط البنى المنطقية وسَلسَلة المعلومات فيها مقدمات ونتائج بصوت خفيض يساعد على جمعها وتركيزها في ذهن السامع. بيد إن الحضور الإعلامي بشكل الفعل الجمعي للإعلام في ظروف نشوء الحركة والوضع في السودان والمنطقة، محفوف بكثير من الصعوبات التي نناضل لتذليلها، ونتمنى مساعدة قناة العربية في هذا الشأن في إطار إلتزام إخبارياتها بذكر حقائق ووقائع الحياة السياسية على مرارتها.

- من هو رئيس الحركة، هل هو شخصية نوبية معروفة كما يشاع، هل كان سياسيا بارزا في حزب معروف؟

- مسألة (الشخصية المعروفة) فيها قولان، كما أن العلاقة الصحية للحركة بالقضايا النوبية والسودانية تختفي بعبارة "شخصية نوبية معروفة" الواردة في السؤال، فالسؤال الأنجع والأشد فعالية هو: هل الشخصيات المعروفة والساسة البارزين في تاريخ أحزاب السودان الحاكمة المعروفة أسهموا بقدر كبير في العناية بمشكلات المناطق السودانية وحدوا من تفاقم تلك المشكلات أو عالجوها؟ هل؟

ولكن، على أية حال فإن رئاسة حركة تحرير كوش مجسدة في قيادتها العامة، تتكون من بضعة أفراد قليلين من المستضعفين والمهمشين والمنبوذين والغرباء في المجتمع السياسي التقليدي للسودان، وهم بفعل الاجتراح الجمعي والتخطيط الراشد يكملون جوانب الضعف والقصور في تكويناتهم البشرية لأجل منفعة القضية العامة، ويناضلون لإخراج البنية السياسية السودانية من خانة ("أنا" و"هو") إلى رحاب "نحن"، ومن خانة ("أعتقد" و"أظن") إلى رحاب تقدير الناس المستضعفين لضرورات حياتهم وإفادتهم بموارد وثمرات أقاليمهم وجهودهم. ومنتسبو الحركة وقيادتها هم في نضالهم كذرات الأسمنت الدقيقة هباء تنثره نسمة، ولكنه مع الماء والرمل والحديد يتحول كتلة صلبة تقيم أبنية عاتية، أو هو كذرات الحديد الهشة تتحول بالنار الرقيقة والبرودة إلى صلب متين، وفي الحالين فالحركة هي الهندسة الاجتماعية لهذا التحويل في نطاق المجتمع السوداني وقواه المستضعفة.

متى تعلن الحركة عن قيادتها وتبدأ في عمل كبير، هل تشعرون بعد نيفاشا وأبوجا وأسمرا بأن الدور جاء على الشمال؟

- الأعمال الكبرى تبدأ بأعمال أصغر، وإعلان الحركة عن قيادتها ليس ضرورة للحياة السياسية في السودان القديم أو الجديد، ونحن نفضل الأسلوب الهادئي الدقيق في العمل الثوري على أسلوب الخبطات الإعلامية والإثارة السياسية التي سرعان ما تتأزم بضعف تكوينها النوعي وثقل المهام التي تتناولها، كما إن الاتفاقات الجزئية التي تحل رؤوس المواضيع وتبقي جذورها في سياسات التمويل ومركزة الموارد، والسلطات الرئيسة في البلاد، توضح أهمية الدور النوبي والشمالي عامة في حركة تحرير السودان تحريراً جذرياً من بنى القمع والإقصاء والتهميش الإقتصادي السياسي والتضليل الإعلامي والتفتيت الإجتماعي والثقافي لموارد المجتمعات وطبيعة وجود بنى القمع والإقصاء والتهميش بسياسات التطفيف والتبخيس والكنز والإملاق والتهجير والتشريد والتقتيل. وفي البروز الموضوعي لهذا الدور النوبي والشمالي فإن حركة تحرير كوش في هذه الهندسة الشعبية لبنى الدولة السودانية ((كٌوش هو الاسم الأصيل لأوج الدول السودانية القديمة)) تحاول حسب حجمها وجهدها المتواضع أن تلعب دوراً صغيراً وموضوعياً كالزاوية ونحن على ثقة من انتصار الشعوب في نيل طموحاتها وتحقيق أهدافها في الحرية والعدل والسلام.

.